فرع تنظيم القاعدة في اليمن يحث المسلمين على النفير العام ويقول إن الإسلام شارف على حكم البشرية
قبل عام ونصف من الآن قال المسئول العسكري لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أبو هريرة الصنعاني إن التنظيم بدأ بوضع اللبنة الأولى لجيش عدن أبين الإسلامي، قال ذلك في إصدار بعنوان “انج علي فقد هلك برويز”، لكنه لم يرحب بانضمام مقاتلين إلى هذا الجيش، بسبب ظروف مادية وأخرى أمنية ربما، فالتنظيم، بحسب الصنعاني، لا يجد ما يحمل الناس عليه. وكعادة التنظيم في التنامي السريع حتى في أحلك الظروف، لم يمر سوى عام ونصف حتى أصبح جيش عدن الإسلامي أكثر من مجرد لبنة أولى، بل تحول إلى قصر مشيد، كما تقول الأحداث الأخيرة، وأعني بها أحداث محافظة أبين التي تمخضت عن سيطرة التنظيم على كامل المحافظة.
ولأن أمام التنظيم مهمة جديدة، بل مهام جديدة، استنادا إلى الحديث الشريف الذي يقول “يخرج من عدن أبين إثنا عشر ألفا ينصر الله بهم الدين” فإن الأمر لن يتوقف عند هذا الإنجاز، إنجاز تأسيس جيش عدن أبين، حيث تبقى المهام التي يرون أن مسئوليتها موكلة إلى هذا الجيش، ومنها إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
لهذا السبب خرج القائد العسكري لفرع التنظيم في اليمن أبو هريرة الصنعاني في إصدار جديد بعنوان “أمة واحدة” يدعو إلى النفير العام، وقال الصنعاني، في الإصدار الذي لم ينشر بعد، “يا شباب الإسلام لقد شارف دينكم اليوم على حكم البشرية، وقد كنا في وقت سابق نقول إننا لا نجد ما نحملكم عليه لكننا نقول لكم اليوم يا خيل الله اركبي، وليلحق بنا كل صادق أراد خدمة هذا الدين، وعتاده ينتظره بحول الله عز وجل”.
وتعتقد القاعدة أن هذا الأمر كوني لا يخضع لحسابات القوة التي ترجح كفة طرف على آخر في مثل هذه الحروب، وتزداد قناعتها حين ترى نتائج معركتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، لصالحها، رغم الفارق المهول في مختلف الإمكانات، العسكرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية وغيرها، ورغم مرور أكثر من عقد على تدشين هذه الحرب.
وانطلاقا من هذا الإيمان، وتجاوبا مع المستجدات، غير تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في إستراتيجيته العسكرية، من أسلوب حرب العصابات إلى الحرب التقليدية على طريقة الجيوش النظامية، كما حدث في معارك محافظة أبين الأخيرة.
ماذا تعني الإستراتيجية الجديدة؟ قد يبدو الأمر كما لو أنه مغامرة من العيار الثقيل، بالنسبة لجماعة يحاربها العالم بأسرة، كتنظيم القاعدة، أما التنظيم فله حساباته في هذا التحول الذي قد يخدمه أو يؤثر عليه بحسب صحة أو خطأ قراءته للواقع ومتغيراته.
فكما هو معلوم أن التنظيم، سواء في اليمن أو خارجه، اعتمد طوال الأعوام الماضية على إستراتيجية حروب العصابات، وهي إستراتيجية تخفف من وطأة فارق القوة بينه وبين خصومه، وهو فارق مهول حقا، لكن التنظيم وبعد سنين من الحرب عليه لم يضعف بل ضاعف من قوته. ومع أن تغيرا لم يحدث في موازين القوة المادية، فمهما بلغت قوة التنظيم لن تكون شيئا أمام قوة خصومه، إلا أن فرع التنظيم في اليمن عمد إلى الإستراتيجية الجديدة في الآونة الأخيرة، إستراتيجية الظهور والسيطرة، فسيطر على محافظة أبين، وربما يسيطر في قادم الأيام على محافظات أخرى.
ونجاحه في السيطرة يعني أنه نجح في قراءته أيضا للواقع وفي التعامل معه، فوجود ثورة على الجانب الآخر تعمل أيضا على إسقاط النظام، وانشغال النظام بها، وانشغال أمريكا بالنظام، خفف الضغط كثيرا على التنظيم وأتاح له فرصة للإقدام على مثل تلك الخطوة، لكنها ستبقى مرتبطة ببقاء الظروف الراهنة على ما هي عليه، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن توقع التنظيم لتغير ما لا يتناسب وإستراتيجيته الجديدة، خصوصا وأن قراءة بعض المراقبين تذهب إلى القول بأن التنظيم في اليمن سينتهي أو سيضعف بعد سقوط نظام صالح.
لا يرى التنظيم أن التحول في الإستراتيجية القتالية من أسلوب حرب العصابات إلى الأسلوب التقليدي سيشكل أزمة إن تغيرت الظروف على النحو الذي أشرنا إليه قبل قليل، إذا يمكنه، وبكل سهولة، أن يعود إلى الإستراتيجية القديمة، كما فعلت حركة الشباب المجاهدين في الصومال قبل أيام، لكن بمقدور التنظيم، في ظل طول أمد الأزمة الحالية، أن يؤسس لوجود يفوق قدرة أي نظام قادم على فرض أمر واقع لا يتناسب وأهدافه.
لكن الانتقال من واقع العمل الخاص إلى واقع المسئولية العامة على من يدير شئونهم من أبناء المناطق التي يسيطر عليها قد يبدو للوهلة الأولى خطوةً غير محسوبة النتائج، لأسباب منها: أولا..
صعوبة التوفيق بين إدارة شئون الناس العامة وإدارة حروبه الخاص ضد خصوم غير عاديين. ثانيا.. توسيع فجوة العلاقة بينه وبين المجتمع الحاضن له بسبب ما قد يلحق به من ضرر جراء حروب التنظيم. ثالثا.. قلة خبرة التنظيم في التعامل مع هذا الوضع كونه جديدا عليه ولم يسبق له أن خاض تجربة كهذه. فهل وضع تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب مثل هذه المخاوف وغيرها في حسبانه وهو يباشر إستراتيجيته الجديدة؟.
لعل من حسن حظ التنظيم في اليمن أن مواطني هذا البلد لم يعتمدوا يوما على الدولة في شيء، ووجودها من عدمه لا يشكل فارقا، فالناس يديرون أنفسهم بأنفسهم، وإدارة التنظيم لشئون الناس وتوفير بعض الاحتياجات على مستوى الأمن وغيره، ولو في الحد الأدنى، سيفي بالغرض وزيادة.
أما العلاقة التي قد يضر بها تضرر الناس، وهو ما أرادت السلطات تحقيقه من خلال قصفها العشوائي لأهداف مدنية لا تمت للقاعدة بصلة في محافظة أبين وشبوة، فلن يكون له ذلك التأثير، لأن معظم مقاتلي التنظيم هم من أبناء تلك المناطق، ولأن أبناء تلك المناطق رحبوا به وهم يتوقعون ضررا كهذا، وطوال الأعوام التي قضاها التنظيم بين هؤلاء تمكن من إيجاد أرضية تتجاوز كل هذه المخاوف.
مدينة عزان أنموذجا في زيارتي الأخيرة لمحافظة شبوة، وخلال تواجدي في مدينة عزان التي تحمل التنظيم مسئولية إدارة شئونها بعد خروج السلطات منها قبل أشهر، حاولت أن أتعرف على انطباعات الناس عن التنظيم وعن إدارته للمدينة، فكانت انطباعات إيجابية جدا، للانعكاس الإيجابي لوجوده على الشأن العام في أكثر من جانب.
ففي جانب حل مشاكل الناس، يوجد في قسم الشرطة السابق مكتب للقضاء، وفيه قاض يفصل بين الناس، ومن خلال اطلاعي على كشف القضايا التي وصلت المكتب منذ وجود القاعدة أو أنصار الشريعة في المدينة، ومن خلال لقائي بالقاضي، وجلوسي مع الناس الذين يصلون إلى المكتب من أصحابا القضايا، تبدو أمور المديرية في هذا الجانب على ما يُرام، فمن ضمن أكثر من مئتين وسبعين قضية لا توجد سوى خمس قضايا عالقة فقط، والبقية حُلَّت، علما أن أغلب القضايا، خصوصا ما يتعلق منها بالأراضي، قديمة جدا وكلفت أصحابها الكثير حينما كانت تعالج لدى القضاء الرسمي.
ويقول القاضي الذي التقيت به في ذلك القسم “إن الموضع كان شائكا في البداية نظرا لكثافة المشاكل لكننا استطعنا أن نقلصها بشكل سريع، فالمشاكل التي كانت تبقى في محاكم النظام عشر سنوات، لا تأخذ عندنا أكثر من شهر”، ويقول إنهم حلوا خلال سبعة أشهر قرابة 135 قضية كانت عالقة، وكثير منها قضايا تتعلق بالأراضي، بالإضافة إلى القضايا الأخرى المستجدة. وأضاف القاضي بأن أربع مديريات، إلى جانب مديرية ميفعة التي تضم مدينتي عزان والحوطة، تتحاكم عندهم، لكنهم قد يوجدن في تلك المديريات مراكز أخرى للقضاء، ولديهم قضاة على معرفة واسعة بالشرع والعرف، إلا أنهم، كما يقول، بحاجة إلى رضا شعبي أقوى.
وبخصوص الطلبات قال القاضي إن لديهم ما يزيد عن سبع طلبات من مناطق في محافظتي شبوة وأبين لإقامة محاكم شرعية، وإنهم في صدد إنزال خطة شاملة لهذه المناطق ولغيرها. الجدير بالذكر أن مركز القضاء لا يتقاضى أمولا مقابل حله لمشاكل الناس، بل إن الاتصالات، وحتى المواصلات، تكون على نفقته.
هذا بالإضافة إلى تقديم خدمات اجتماعية في جوانب أخرى كتقديم المساعدات الغذائية وغيرها للأسر المحتاجة.
ومن خلال مثل هذه الخدمات تمكن تنظيم القاعدة من توسيع حاضنه الشعبي، ونجح في خلق علاقة بينه وبين أبناء تلك المناطق تجعل من أي تعرض له تعرضا للمنطقة ولأمنها واستقرارها. إلا أن تنظيم القاعدة، ومهما حقق من نجاحات على المستوى المحلي، يبقى هدفا مشروعا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الحرب على الإرهاب، من وجهة نظر أمريكا وحلفائها، كما يحدث في محافظتي أبين وشبوة، وبالتالي فإن الحرب على تنظيم القاعدة في اليمن، لن تكون ضد التنظيم فقط، بل ضد قطاع واسع ارتبط بالتنظيم في كثير من تفاصيل حياته، لهذا لن يكون التنظيم طرفا في المعركة فحسب، وهو ما ينذر بحرب مختلفة عن حروب أمريكا ضد القاعدة في باقي بلدان العالم، كما سيأتي.
مستقبل حرب أمريكا على القاعدة في اليمن بعد إعلان تنظيم قاعدة الجهادي في جزيرة العرب، التحدي، من خلال ظهوره وسيطرته على محافظة أبين، يبدو أن فصلا جديدا من فصول الحرب على التنظيم سيبدأ، عنوانه جنون القوة أو قوة الجنون الأمريكية، لكن على أرضية مختلفة وفي ظل ظروف مغايرة تماما.
وهنا لا أعتقد أن بمقدور القوة حسم المعركة مع تنظيم القاعدة في اليمن، لأنها إما أن تكون قوة محلية، وقوة التنظيم، كما تقول أحداث المواجهات طوال الأعوام الماضية، أكبر وأكثر قابلية للتأقلم مع أي مستجد، وإما أن تكون قوة خارجية، وهذه تزيد التنظيم قوة، من خلال إكسابه مزيدا من التعاطف الشعبي المحلي، كما حدث بعد التدخل الأمريكي العسكري المباشر عبر الطائرات من دون طيار والتي قتلتْ، بحسب إحصائية أجريتها، ما يزيد عن 150 قتيلا معظمهم من النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بالقاعدة. ويؤكد أمريكيون مختصون في شئون القاعدة أن أمريكا لم تستطع تحقيق أي نجاح على أيٍ من فروع التنظيم بواسطة القوة، قوتها أو قوة حلفائها في الحرب على الإرهاب.
وإذا كانت القوة قد عجزت عن حسم معارك أمريكا ضد تنظيم القاعدة في أكثر من بلد، فستكون في اليمن أعجز، لما لهذا البلد من خصوصيات تتناسب كثيرا وظروف التنظيم، وهو ما لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تفهمه أو التجاوب معه، بالذات في هذه المرحلة، ربما لأنها لا تمتلك خيارات فاعلة أخرى في التعامل مع هذا الملف، خصوصا بعد فشل نظام الرئيس صالح، الذي ظلت تدعمه لسنوات، في هذه المهمة.
لكن ما جدوى الاستمرار في خيار الحل العسكري غير المفيد إن لم تكن هناك خيارات أخرى مفيدة وفاعلة، خصوصا وأن هذا الخيار يأتي بنتائج عكسية تصب في صالح التنظيم فقط؟، فحين قتلت الطيران الأمريكي الشيخ أبا علي الحارثي في صحراء مأرب عام 2002م، لم يكن التنظيم بعشر قوته اليوم، بل لم يكن تنظيما أصلا، وإنما مجموعة من الأفراد ينشطون في استقطاب مقاتلين وإيفادهم إلى جبهات القتال في بلدان أخرى ملتهبة.
اليوم وبعد سنين من الحرب على تنظيم القاعدة في اليمن، وبرغم الدعم الأمريكي السخي لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، وبرغم التدخل الأمريكي العسكري المباشر من خلال الطائرات من دون طيار، أصبح فرع التنظيم في اليمن هو الأخطر على مستوى العالم، بحسب تصريحات المسئولين الأمريكيين وتصنيفات أجهزة مخابراتهم، لكنهم لم يستفيدوا من هذه الدروس، ولن يستفيدوا، ليس لأنهم أغبياء ولكن لإدراكهم بأن حربا كهذه يجب أن تستمر حتى النهاية، لارتباطها بقضايا مصيرية جدا.
ومن هنا يمكن قراءة مستقبل الصراع الأمريكي القاعدي في اليمن، ففي ظل الإصرار على الخيار العسكري رغم نتائجه العكسية، وفي ظل المخاوف الأمريكية على مستقبل الوجود الأمريكي في الجزيرة العربية، لا يبدو أن هناك إمكانية لأية حلول تقاربية، فالصراع القائم تحكمه نصوص سماوية ومصالح إستراتيجية تقضي بأن يقضي أحد طرفي الصراع على الطرف الآخر في نهاية المطاف.
وبالاستناد إلى مجموعة الأحداث خلال الأعوام الماضية، يبدو أن بمقدور التنظيم في اليمن أن يفرض نفسه متى ما أراد وبالشكل الذي يريد، خصوصا بعد إستراتيجيته الجديدة، إستراتيجية الظهور والسيطرة، والتي قص شريطها بالسيطرة على محافظة أبين في التاسع والعشرين من شهر مايو الماضي، لكن تنامي قوة التنظيم في اليمن قد يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيجاد بدائل تحقق لها بعض المكاسب.
فإما أن تحاول تكرار تجربتها في العراق وأفغانستان، من خلال الاحتلال المباشر لليمن، خصوصا وأن لديها قوة كبيرة في الخليج وفي دول أفريقية قريبة من اليمن أو على حدودها كجيبوتي وأثيوبيا، وإما أن تستغل الصراع القائم على خلفية الثورة الشعبية على نظام صالح لدعم جهة وإيصالها إلى الحكم يمكن أن تعتمد عليها بعد ذلك في الحرب على التنظيم، وإما أن تعمل على إطالة أمد الصراع بين النظام وخصومه لتحارب القاعدة بالطريقة التي تفعلها الآن، مستغلة في ذلك تغاظي أطراف الصراع عن اختراقها للسيادة الوطنية، لكنها خيارات لن تحقق لها ما تريد، إن لم ترهق كاهلها بمزيد من الخسائر.
فالاحتلال المباشر مغامرة كبيرة بل حماقة ترتكبها أمريكا، لأنها ستكون طرفا في المعركة، وسيكون الشعب اليمني الذي يستند إلى مشروعية دينية من خلال فتوى علماء اليمن بوجوب الجهاد إن تدخلت أمريكا عسكريا، سيكون طرفها الآخر، ولأن أمريكا لا تريد أن تكرر ـ ربما ـ تجربة فاشلة ثلاث مرات، خصوصا في ظل معارضة محلية لمثل هذه الحروب تتنامى بشكل شبه يومي مع وصول توابيت القتلى من الجنود من كل من العراق وأفغانستان.
والقاعدة تدرك هذا الأمر جيدا، أعني أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة لخوض حرب ثالثة بعد أفغانستان والعراق، وعلى أساس هذا الإدراك تتعامل مع واقع حربها مع أمريكا، وهو ما يشير إليه الشيخ أنور العولقي في أحد الحوارات التي أجرتها معه المؤسسة الإعلامية التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن “مؤسسة الملاحم”. ومما قاله العولقي “الأمريكان لا يستطيعون اليوم أن يتقدموا بحملة ثالثة بعد العراق وأفغانستان، إذا دخلت أمريكا اليمن فسيُقتل الجندي الأمريكي على جبال اليمن ووديانها وسهولها ومدنها وشعابها وصحاريها، والخزانة الأمريكية لا تستطيع أن تمول حملة جديدة لاحتلال بلد مثل اليمن سُميت بمقبرة الغزاة، فالاقتصاد الأمريكي اليوم يترنح” حد قوله.
أما الخيار الثاني فإنه يقوم على فرضية استتباب الوضع للنظام الجديد أولا، وعلى فرضية إيجاد نظام بديل يكون أقوى من نظام الرئيس صالح، في المواجهة وفي العمالة للغرب ثانيا، والأمران غير واردين، وإن حصلت على تطمينات بذلك من جهات مناهضة للنظام، فهمي تطمينات قائمة على تصور خاطئ للتنظيم، من حجم تواجده إلى حقيقته.
والإبقاء على الوضع الحالي أو إطالة أمده، كخيار ثالث، سيبقي على النتائج ذاتها، وهي النتائج التي خلقت كل هذا القلق لدى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم بعض المكاسب التي تحققت من خلال اغتيال بعض قادة التنظيم، يضاف إلى هذا أن الوضع في الداخل اليمني قد لا يبقى على ما هو عليه، بل إنه ما بات يحدث فعلا، وبالتالي فإن غياب العنصر المحلي الحليف، سواء من السلطة أو الجهات الأخرى، سيعطي القاعدة مزيدا من الحرية في التنقل ومزيدا من الأرض، على أن استتباب الوضع لنظام جديد لن يضعف التنظيم، كما تؤكد ذلك بعض الدراسات، فالمشكلة ليست في تهاون نظام صالح بقدر ما هي في الحرب مع خصم ليس لديه ما يخسره، ومن الصعب تحقيق انتصار عليه بعمل عسكري.
وسنضرب لذلك مثلا بعيدا عن تنظيم قاعدة اليمن وعن حديث الناس عن تساهل نظام الرئيس صالح معه، فالولايات المتحدة الأمريكية هاجمت العراق لأمور أخرى لا علاقة لها بالقاعدة، ولم تكن القاعدة موجودة في ذاك البلد، وبعد أن تمكنت من الإطاحة بنظام صدام، تبعها تنظيم القاعدة إلى العراق.
الحرب ضد التنظيم لم تكن كالحرب ضد نظام صدام، رغم أن أمريكا تحارب التنظيم بنفسها، وبنظام محلي صنعته، وبمليشيات موت مدعومة من دولة مجاورة، وحتى بجهات سنية تمثلت في بعض من هم ضمن النظام وفي جماعات إسلامية كالجيش الإسلامي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
إذن.. أزمة أمريكا في حربها على فرع تنظيم القاعدة في اليمن هي واحدة من أزمات عدة تعيشها في حربها على التنظيم بأكثر من بلد، وساهمت الثورات الشعبية التي تشهدها المنطقة العربية في تعقيد هذه الأزمات أكثر، باعتراف الأمريكيين أنفسهم، حيث يرى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) مايكل هايدن أن سقوط العقيد الليبي معمر القذافي قد يعقد جهود مكافحة الإرهاب للولايات المتحدة على المدى القريب، معتبرا أن القذافي كان شريكا جيدا لواشنطن.
وأضاف هايدن أن وكالة الاستخبارات الأمريكية ارتبطت بعلاقات عمل جيدة مع العقيد معمر القذافي وموسى كوسا وزير خارجيته الذي انشق عنه مطلع ابريل الماضي.
وتوقع هايدن أن تتسبب الثورة في ليبيا وفي سوريا بصعوبات في مجال الحرب على الإرهاب في المستقبل القريب، وإن كانت على المدى البعيد قد تقلل من تأثير الترويج لأفكار القاعدة، حد قوله. وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت جيتس يرى أن موجة الثورات المطالبة باصلاحات ديمقراطية في العالم العربي يمكن أن تضعف تنظيم القاعدة وإيران، لأنها تكذب ادعاءات القاعدة بان الطريقة الوحيدة للتخلص من الحكومات المتسلطة هو من خلال التطرف العنيف، إلا أن كثيرا من المسئولين الأمريكيين، يخالفونه الرأي، ويرون أنهم خسروا أهم الحلفاء الذين كانوا يمدونهم بمعلومات في مجال الحرب على الإرهاب، وسموا المخلوعين بن علي ومبارك، وإلى هذا أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” التي قالت إن سقوط الديكتاتوريات في تونس ومصر وليبيا واليمن يُـفقد الجواسيس الأمريكيين كثيرا من حلفائهم في الحرب ضد الجهاديين، وإن هؤلاء الجواسيس يشعرون بالحنين إلى الماضي قبل إسقاط الطغاة في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على تنظيم القاعدة في اليمن، في هذه المرحلة تحديدا، تعمل بالخيار الثالث والمتمثل في إطالة أمد الأزمة لتتمكن من شن هجمات على التنظيم دون اعتراض من أي من أطراف الصراع المنشغلين بالثورة، وعلى الرغم من أن الكاتبة الأمريكية جين نوفاك تذهب إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعتمد على نظام صالح في القضاء على القاعدة وأنه وحده القادر على ذلك، إلا أن صحيفة “نيويورك تايمز” أكدت في أحد تقاريرها أن الإدارة الأمريكية كثفت من عملياتها ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في خضم الفوضى التي تشهدها اليمن، مستغلة الفراغ المتنامي في البلاد لضرب المتشددين عبر طائراتها التجسسية من دون طيار، حد قولها. ويؤكد ما ذكرته الصحيفة عن استغلال أمريكا للوضع الحالي لتوجيه ضربات للتنظيم في اليمن، إلى جانب تكثيف التحليق للطيران الأمريكي من دون طيار بالفعل في الأجواء اليمنية، يؤكد ذلك ما نقلته الصحيفة ذاتها عن مسئولين في الإدارة الأمريكية بأن “أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقوم بالتخطيط لبناء قاعدة سرية في الشرق الأوسط لتكون ساحة انطلاق للطائرات الحربية بدون طيار وذلك لقصف جميع مواقع المقاتلين والمسلحين على الأراضي اليمنية” وهو ما تقوم به الطائرات الأمريكية فعلا.
ففي إصدار تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب “ركب الشهداء” أورد التنظيم عددا من شهدائه الذين قضوا خلال معارك أبين، ومعظمهم قُتلوا بطائرات أمريكية من دون طيار، لكن هذا الخيار لن يحقق لأمريكا ما تريد ولن يعمل على الحد من تنامي قوة التنظيم ولا من خطره، كما أسلفنا. النجاح الوحيد النجاح الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية في حربها على القاعدة حققته عبر الثورات الشعبية العربية، حين دفعت باتجاه تصعيد الحديث عن وجود للتنظيم ضمن الثورات، وهذا خلق ردة فعل سريعة لدى الثوار بإعلان براءة ثوراتهم من ذلك، فرفع ثوار ليبيا في بني غازي لافتات تقول “ليس فينا قاعدة” حين تباطأ القرار الدولي بخصوص الحظر الجوي بعد تقارير رُفعت للإدارة الأمريكية تتحدث عن وجود مقاتلين من القاعدة في صفوف ثوار ليبيا، كما حاولت المعارضة اليمنية وجهات أخرى محسوبة على الثورة اليمنية أن تنكر وجود قاعدة في اليمن بالمـرة، وبهذا استطاعت أمريكا أن تشكِّل ثقافة ثورية جديدة لثورات الربيع العربي مناهضة لتنظيم القاعدة، ولا يهمها بعد ذلك ما الذي ستصل إليه هذه الثورات، إذ كان المتوقع أن تنتقل الثورات العربية بعد نجاحها، إلى الخطوة التالية، الخطوة التي تستهدف هيمنة النظام العالمي الحالي على العالم، وهو النظام الذي ارتبطت به أو الذي صنع هذه الأنظمة التي ثارت شعوبها عليها، وهي الخطوة التي بدأتها القاعدة في وقت مبكر جدا.
ولأن القاعدة متواجدة في اليمن بشكل أكبر من البلدان الأخرى التي حدثت فيها الثورات، فقد كان الواقع اليمني مكانا خصبا لترسيخ هذه الثقافة، بل إن الحسم بات مرهونا بقناعة أمريكا بذلك.
أخطاء أمريكا مكاسب للقاعدة الحرب على ما يسمى “الإرهاب” التي اقترنت في اليمن بأعمال قتل لمدنيين أبرياء ولمن لا يرى اليمنيون أنهم، بما يحملون من توجهات، غير إرهابيين، هذه الحرب حسَّنتْ كثيرا من صورة تنظيم القاعدة التي عمل ويعمل الإعلامي الأمريكي ومن تحالف معه على رسم صورة معينة له منذ أعوام. أي أن أمريكا فقدت في اليمن أو كادت الأرضية التي تشرعن لها الحرب على تنظيم القاعدة، خصوصا في المناطق التي احتك فيها التنظيم بالناس ووجدوا منه خلاف ما يُقال عنه، وهي المناطق التي يهم التنظيـم وقوفها معه، ما يعني أن القاعدة في اليمن تفوقت عسكريا وإعلاميا أيضا، كما تفوقت أخلاقيا في حرب لا خلاق ولا أخلاق للطرف الآخر فيها، وأكدتْ ذلك في أكثر من مناسبة، ومنها حين أطلقت سراح ما يقارب الخمسين من الجنود اليمنيين في أبين وتزويدهم بتكاليف السفر.
حدث هذا الأمر على مرأى ومسمع من أبناء محافظة أبين الذين تعرفوا على سلوكيات مختلفة من الأطراف الأخرى كان أخرها القصف السعودي لمسجد ومستشفى في مدينة جعار والتي سقط فيها عدد من المواطنين بين قتيل وجريح. بيان قبائل العوالق، التي ينتمي إليها الشيخ أنور العولقي والذي قتلته الطائرات الأمريكية ونجله عبد الرحمن قبل أسابيع، يؤكد ذلك، فالشيخ أنور من وجهة نظر هذه القبائل هو الذي “لا يجود الزمان بمثله إلا ما ندر، حاد الذكاء متحدث لبق و بحر من العلم يمشي على الأرض، شهم كريم أحبه كل من عرفه و أعترف له بشخصيته الفذة وكاريزميته عدوه قبل الصديق”.
أما مقتل عبد الرحمن ابنه، وهو الطفل الذي لم يكمل العقد الثاني من عمره، فقد كان له التأثير الأكبر، في اليمن وخارجه، حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وعبدالرحمن هو واحد من مجموعة أطفال قضوا قبل ذلك في غارة أمريكية استهدفت قرية المعجلة بمحافظة أبين. حرب قادمة في الخليج والخلاصة أن فرع التنظيم في اليمن هو حركة طالبان قبل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، يشبهها حتى في أسلوب تصدير الخطر، تلك صدَّرت عملية الحادي عشر من سبتمبر إلى أمريكا، وذاك صدر الطرود المفخخة إلى أوربا، وقبل ذلك الأجساد المفخخة إلى المملكة العربية السعودية حين كان قاب قوسين أو أدنى من اغتيال الأمر محمد بن نائف عام 2009م، وإلى أمريكا عبر الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب الذي كان قاب قوسين أو أدنى من نسف طائرة ركاب أمريكية متجهة من هولندا إلى ولاية ديترويت الأمريكية.
لكن أمريكا في حربها عليه، هي أمريكا بعد عشر سنين من حرب تقول النتائج إنها لم تكسبها حتى الآن. وإذا كانت المعطيات على الأرض تشير إلى أن أمريكا لن تكسب حربها ضد تنظيم القاعدة في اليمن، أو حتى في غيرها، إلا أن من الصعب توقع الكيفية التي سيكسب بها التنظيم الحرب، في ظل المتغيرات التي يشهدها الوطن العربي اليوم، بسبب الثورات الشعبية.
لكن، وبالعودة إلى ما بدأنا به التقرير، يبدو أن أحلام التنظيم في اليمن تتجاوز أمر السيطرة على أربع أو خمس محافظات يمنية، خصوصا وأن التنظيم على بعد مئات الكيلو مترات فقط من القوات الأمريكية المرابطة في الخليج العربي.
المصدر : صحيفة الوسط